لما كان العمل الذي تؤديه النحلة محدوداً، ألا وهو صناعة العسل، وجمع المواد الأولية اللازمة له، وما يتبع ذلك من أعمال، فإنها لم تكن بحاجة في لغتها إلى ما يعبر عن أكثر من هذه المعاني، ولذلك فإن أهم ما يحتويه ما يمكن أن نسميه "قاموس لغة التفاهم" بين النحل، هو مفردات، تصلح للتشجيع على جلب الرحيق، والدلالة على مكان وجوده. وفيما عدا ذلك، فإن بقية الأعمال داخل الخلية، تتم بصورة آلية. أما إذا ظهر عامل مفاجئ، كهجوم جسم غريب على الخلية، فتكفي الإشارة المعبرة عن ذلك. فالنحلة الجماعة للرحيق مثلاً، عندما تأتي إلى الخلية، وتفتح فمها، وتدلي لسانها على ذقنها، وتدفع نقطة الرحيق إلى قاعدة اللسان، بحيث تراها الشغالة، الصانعة للعسل؛ إنما تقف في وضع يغنيها عن الطلب من النحلات صانعة العسل، أن تأتي وتمتص الرحيق من فمها.
ولكن، كيف تكون اللغة بالنسبة للأمور التي هي أكثر تعقيداً؟ كالدلالة على بستان ممتلئ بالزهور، اكتشفته إحدى الشغالات؟ إن اللغة التي تستخدم هنا هي لغة الرقص، وهو نوعان:
أولاً : الرقص الدائري: إذا كانت المسافة التي تفصل مكان الرحيق، عن مكان الخلية لا تتجاوز خمسين مترا، فإن الشغالة تقف على أحد الأقراص الشمعية، وتقوم برقصات دائرية يميناً وشمالاً، ويراقبها باقي النحل، ثم يشاركها رقصاتها، ويدور معها حيث دارت، ثم يتجه الجميع مسرعين، لمغادرة الخلية والوصول إلى المكان الذي استمدت منه النحلة الأولى رحيقها. والشغالات يذهبن إلى المكان، وقد عرفنه جميعاً، دون أن يتبعن النحلة الأولى. والعجيب أن النحلة الراقصة لا تدل برقصها على المكان فحسب، بل إنها تعبر عن وفرة الرحيق، ومدى تركيز المواد السكرية فيه من خلال فترة الرقص، التي كلما ازدادت دل ذلك على زيادة كمية الرحيق، مما استدعى خروج عدد أوفر من الشغالات، يخرجن إلى ذلك النوع المحدد، ولا يضيعن الوقت في البحث بين الأنواع الأخرى.
ثانياً: الرقص الاهتزازي: عندما يكون مكان الرحيق أكثر من خمسين مترا، إلى 11 كم، تستخدم النحلة السارحة، الرقص الاهتزازي، وهو عبارة عن لفات تتناقص كلما بعدت المسافة، بحيث تكون سبع لفات عندما تكون المسافة 200 متر، وتكون 4.5 إذا كانت المسافة كيلومترا واحداً، بينما تكون لغتين إذا كانت المسافة 6 كم .
ولغة الرقص تحدد الاتجاه كذلك، فإذا كان رأس الشغالة إلى أعلى أثناء الرقص، فمعنى ذلك أن الرحيق في اتجاه الشمس، وإذا كان رأس الشغالة إلى أسفل فالاتجاه مضاد للشمس، وإذا كان مائلاً بزاوية 60ْ فمعنى ذلك أن الرحيق على زاوية 60ْ على يسار الشمس، وهكذا .
تعتمد الحشرات على حواس الشم، والرؤية، والسمع، في تفاهمها واتصالها، حسب البيئة والظروف التي تعيش فيها. فالجراد يعتمد على الرؤية أكثر من أي حاسة أخرى، بينما غيره من الحشرات يعتمد على السمع، أو الشم، ويعتبر الرعاش، من الحشرات التي تعتمد على الرؤية أكثر من أي حاسة أخرى، حتى أن البعض يطلق على الرعاشات، حشرات التجسس.
أمّا لغة الإشارات، والألوان، فهي شائعة في كثير من الحشرات، فمثلاً حشرة الصرصور المدغشقري العملاق، نجد الذكر منه يستخدم خمسة أنواع من الإشارات، للدلالة على العداء أو الصداقة أو التناسل، أو الجوع، أو العطش، وكل إشارة لها معناها الذي تفهمه بقية أفراد النوع. أما الفراشات، فتستخدم إناثها الألوان، وتوزيعها بطريقة معينة، حينما تلمحها الذكور تتجه إليها مباشرة. وتستخدم الحشرة النارية لغة الإضاءة، حيث تقبع الأنثى بين الأعشاب ليلاً، وترسل ومضات صوتية كل سبع وخمس ثوان، ويبادلها الذكر ومضات أخرى، ثم يتم اللقاء عقب ذلك، وكذلك الحال في الذبابة النارية .
وهناك اللغة الكيماوية، والتي تسمى في بعض الأحيان لغة الرائحة، وهي تعتمد على بث روائح معينة، أو فرز مواد معينة، أطلق عليها العلماء، اسم الفيرمونات، وهي شائعة بين النمل، والنحل، وعديد من الحشرات حرشفية الأجنحة، مثل الفراشات. وتستخدم الفيرمونات، ليتم التعارف بين الأنواع، حيث تنتشر الفيرمونات في الجو، أو على سطح الماء. وكل مستعمرة لها رائحة خاصة، وفي خلايا النحل، مثلاً، عندما يوجد عابر سبيل، أو جنود من مستعمرة أخرى، لها رائحة مختلفة، فإنهم يتعرضون للمقاومة الشرسة. كذلك عندما يقترب غريب من مستعمرة النحل، تلسعه إحدى الشغالات، ثم بعد فترة قصيرة، تنضم مجموعات أخرى من الشغالات، تشاركن في الهجوم عليه، وذلك لأن الشغالة الأولى، قامت بإفراز رائحة خاصة، دلت الأخريات على وجود غرباء وأنهن لابد أن يسارعن بالمشاركة في التصدي له .
وهناك لغة اللمس: حيث نجد كثيراً من الحشرات، مزودة بشعيرات خاصة تكتشف بها الظروف المحيطة بها، وحيوان الأرضة، يستخدم شعيرات اللمس، للتعرف على الأماكن، مثل إجراء بناء أماكن خاصة لها. ونجد الذكر في ذبابة الفاكهة، يتعرف على الأنثى عن طريق اللمس
http://tbn0.google.com/images?q=tbn:t-g1kgY_RJnB3M:http://www.ojqji.net/upload_center/2007/9/33e6e9a36f.jpg